بدعم قوي من إدارة ترامب، تعمل الولايات المتحدة على دمج الأصول المشفرة بوتيرة متسارعة في النظام المالي التقليدي. ففي ١ أغسطس، أطلقت لجنة تداول السلع الآجلة (CFTC) رسميًا مبادرة “Crypto Sprint” التنظيمية. وفي ٥ أغسطس، اقترحت اللجنة إدراج الأصول المشفرة الفورية ضمن منصات تداول العقود المسجلة لدى CFTC (DCMs) لتداول يتوافق مع التشريعات. أعقب ذلك، في ٢١ أغسطس، إطلاق المرحلة التالية من “Crypto Sprint”، مع منح الأولوية للتداول اللحظي للأصول الرقمية على المستوى الفيدرالي. وتركز المبادرة على معالجة قضايا التداول بالرافعة المالية والهامش والتمويل للفرد العادي في منصات CFTC المعتمدة، ما ينهي الغموض التنظيمي الطويل في سوق التداول الفوري ويمهد الطريق لمسار امتثال واضح وفعال لقطاع Web3.
أكدت كارولين فام، الرئيس التنفيذي بالإنابة لـCFTC: “تحت القيادة القوية للرئيس ترامب، تدفع اللجنة تطوير التداول الفوري للأصول الرقمية على المستوى الفيدرالي بالعمل المتكامل مع مشروع الأصول المشفرة التابع للجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC).” هذه التصريحات ترسم مسارًا جديدًا للمنظمين الأمريكيين نحو “القبول المؤسسي” بدلًا من “التصدي الدفاعي”، ما يفتح فرص امتثال غير مسبوقة أمام بنيات Web3، وتشمل التمويل اللامركزي (DeFi)، والعملات المستقرة، والمشتقات على السلسلة.
لطالما افتقر الإطار التنظيمي الأمريكي إلى إشراف موحد على تداول الأصول المشفرة الفورية، حيث جرت معاملات أصول مثل BTC وETH غالبًا عبر منصات خارجية أو بورصات محلية غير مرخّصة. أدى ذلك إلى غياب الحماية الفعالة للمستثمرين وبقاء رؤوس الأموال المؤسسية الكبيرة خارج القطاع.
تستهدف مبادرة “Crypto Sprint” من CFTC معالجة هذه الثغرة، وتتيح أحد عناصرها الرئيسية الإدراج القانوني لعقود الأصول الفورية غير المصنفة كأوراق مالية في منصات تداول العقود المسجلة لدى اللجنة. وبتمكين هذه المنصات من تسهيل التداول الفوري للأصول المشفرة، تقدم اللجنة بديلًا تنظيميًا للبورصات غير المرخصة أو الخارجية—وهو قطاع فقد مصداقيته المؤسسية عقب انهيار FTX في ٢.٠٢١ وتنامي التحديات أمام Binance. بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين، توفر هذه السياسة مدخلًا أكثر شرعية وشفافية وعدالة إلى الأصول المشفرة، وتزيل الحواجز أمام تخصيص الأصول الرقمية على نطاق واسع.
توضح اللجنة، استنادًا إلى المادة 2(c)(2)(D) من قانون تجارة السلع، أن أي صفقة سلعية بالرافعة المالية أو الهامش أو التمويل يجب أن تجري ضمن منصة مركزية مسجلة، ما يمنح أساسًا قانونيًا قويًا لإدراج عقود الأصول الفورية ويوفر الوضوح التنظيمي الضروري للسوق. وضمن هذا الإطار، قد نشهد منصات مركزية شبيهة بـCoinbase، أو بروتوكولات مشتقات مثل dYdX، تحصل على الموافقة التنظيمية عبر التسجيل في سوق العقود المركزية.
تفتح هذه السياسة المسار أمام مؤسسات المال التقليدية للوصول المنظم للأصول المشفرة. إذ تمتلك بورصة شيكاغو التجارية (CME)، بصفتها منصة مركزية رائدة، بنية متقدمة لعقود BTC وETH المستقبلية، ومع الموافقة التنظيمية للعقود الفورية، سيصبح بإمكان المستثمرين المؤسسيين الانتقال بسلاسة من تداول العقود المستقبلية إلى الفورية للأصول الرقمية، ما يسرّع وتيرة دخول رأس المال التقليدي لسوق العملات المشفرة.
تهدف مرحلة “Crypto Sprint” الجديدة، التي انطلقت في ٢١ أغسطس، إلى معالجة الثغرات التنظيمية في هيكل السوق، حلول الحفظ، إشراف العملات المستقرة، ومعايير مكافحة غسل الأموال للأصول الرقمية. وذكر أندرو روسو، الرئيس التنفيذي لشركة AR Media Consulting، لموقع Decrypt، أن اللجنة تسعى لإقامة سوق فوري اتحادي موحد للأصول المشفرة لحل التشتت بين الولايات والمناطق التنظيمية الرمادية. وصف هذه التحركات بأنها جزء من “استراتيجية شرعية اتحادية” لرسم إصلاحات هيكلية أساسية. وعندما تُرفع القيود الاتحادية، سيحظى المستثمرون الأفراد بحماية أكبر واستعادة للثقة، الأمر الذي يساعد في معالجة ضرر السوق الناتج عن غياب التنظيم.
ستواصل أجندة “Crypto Sprint” معالجة تحديات مثل تنظيم التمويل اللامركزي (DeFi)، تيسير الوصول المصرفي، الوضوح الضريبي، وتنسيق الجهات التنظيمية بشكل فعال.
لعقود، شكل تداخل وتضارب المسؤوليات بين لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC) أكبر تحد تنظيمي لسوق العملات المشفرة الأمريكي، حيث عانت فرق المشاريع من ضغوط الامتثال المزدوج و“حالة تنظيمية معلقة”، مما أضعف الكفاءة وزاد الغموض واستنزف الموارد.
لأول مرة، تتصدى مبادرة “Crypto Sprint” لهذا الأمر مباشرةً: ستتعاون لجنتا CFTC وSEC لإيضاح الوضع القانوني للأصول المشفرة (سلعة أم ورقة مالية)، وإرساء معايير الحفظ، وتحديد متطلبات الامتثال للتداول. سيضمن ذلك للمشاركين في السوق إطار امتثال موحد يمكن التنبؤ به.
يمثل برنامج “Crypto Sprint” ليس فقط تسارعًا في وتيرة التنظيم، بل انتقالًا إلى التعاون الاستباقي بين الجهات التنظيمية. بالنسبة إلى فرق Web3، لم يعد الوقت وقت الانتظار السلبي، بل أصبح فرصة لصياغة البيئة التنظيمية. وتدعو CFTC المتعاملين لتقديم ملاحظاتهم حول اقتراح “إدراج عقود الأصول المشفرة الفورية في منصات العقود المركزية” حتى ١٨ أغسطس. من خلال الملاحظات السريعة، يمكن للمشاركين تفادي المخاطر التنظيمية مستقبلاً والمساهمة في صياغة اللوائح الجديدة.
في نفس الوقت، تسعى لجنة SEC من خلال مشروعها للأصول المشفرة إلى تنسيق الجهود مع “Crypto Sprint” بهدف بناء إطار تنظيمي اتحادي موحد يميز بوضوح بين الأصول المشفرة الورقية وتلك السلعية، ويدعم تطوير منصات “Super App” متعددة الأصول — مثل الأسهم وBitcoin والعملات المستقرة والتخزين—تحت رخصة واحدة.
للمزيد: “من مشروع SEC: ماذا يريد ترامب أن يتداول؟“
وأكد كل من رئيس SEC بول أتكينز والمفوضة هيستر بيرس دعمهما لهذه التوجهات، واصفينها بأنها “منعطف تاريخي لإدخال الأنظمة المالية إلى السلسلة”، كما تعهدا بتسريع التشريعات المتعلقة بتنظيم العملات المستقرة، وحفظ الأصول المشفرة، وعروض الرموز المطابقة للمتطلبات.
من شأن هذا النهج التنظيمي المزدوج أن يحسم أخيرًا الجدل حول طبيعة الأصول المشفرة في الولايات المتحدة، وأن يرسخ معيار امتثال واضح وقابل للتطبيق عالميًا.
والأهم، سيتيح هذا التحول لمشاريع Web3 العمل بصورة منظمة بعيدة عن مخاطر خرق لوائح غامضة، عبر التسجيل الرسمي، وتنفيذ سياسات الحفظ والمراجعة، والاندماج الكامل مع قطاع المال التقليدي، لتجسير الفجوة بين أصول السلسلة والنظام المالي الفعلي.
خلال أسبوع واحد، أوصلت الإدارة الأمريكية أوضح رسائلها لقطاع الأصول المشفرة: أصدرت البيت الأبيض تقرير “استراتيجية الأصول الرقمية”، أطلقت SEC مشروع “Crypto”، ودخلت CFTC مرحلة جديدة من “Crypto Sprint”—ما جعل التداول اللحظي للأصول الرقمية هدفًا اتحاديًا أعلى، ودفع بسياسات الامتثال لعقود الفوري للأمام. في الوقت نفسه، منع البيت الأبيض البنوك من التمييز ضد شركات العملات المشفرة—في تحول يُعد تغيّرًا جوهريًا بالسياسة.
في السابق، كانت لجنة SEC تمثّل التحدي الأكبر لمشاريع القطاع، أما الآن فقد باتت تتعاون مع CFTC لبناء إطار امتثال موحد لـWeb3. يشهد السوق تحولًا تاريخيًا: من الغموض إلى الوضوح، ومن القمع إلى الدعم، ومن المناطق التنظيمية الرمادية إلى التشريع الاتحادي.
هذه المرة لا يقتصر “السباق” على المنظمين فقط، بل يشمل كل أصحاب المصلحة في القطاع.